تمثل النسخة الثانية عشرة من محادثات هيئة الأركان البحرية بين الهند وجنوب أفريقيا، والتي عقدت في نيودلهي في الفترة من 27 إلى 28 أغسطس 2024، معلمًا مهمًا في التعاون المستمر بين القوات البحرية للبلدين.
كانت المحادثات برئاسة مشتركة بين الأدميرال نيربهاي بافنا، مساعد رئيس هيئة الأركان البحرية (التعاون الخارجي والاستخبارات) للبحرية الهندية، والأدميرال ديفيد مانينجي مخونتو، مدير الإستراتيجية البحرية للبحرية الجنوب أفريقية. وقد عززت هذه المحادثات التزام الدولتين المتبادل بتعزيز الروابط البحرية، والاستعداد التشغيلي، والأمن البحري الاستراتيجي.
 
رسم خارطة الطريق للالتزامات المستقبلية

تبنى العلاقة بين الهند وجنوب أفريقيا في المجال البحري على إرث التعاون الذي يعود إلى أوائل القرن الحادى والعشرين. وقد نمت هذه التعاون بشكل مطرد من خلال سلسلة من التمرينات المشتركة، والزيارات على المستوى العالي، والحوارات الاستراتيجية. كما أن الحوارات الفنية بين طاقم البحرية في الهند وجنوب أفريقيا الثانية عشرة كانت منبراً لمراجعة التقدم المحرز، ومناقشة التحديات، ورسم خارطة الطريق للالتزامات المستقبلية. وقد أكد الحوار الرؤية المشتركة لكلا البلدين لضمان السلام، والاستقرار، والأمن في منطقة المحيط الهندي (IOR)، والتي تعتبر الجانب الحاسم للتجارة البحرية العالمية والمصالح الاستراتيجية لكلا البلدين.
 
ووفقا للمعلومات القادمة من وزارة الدفاع، ركزت المناقشات خلال الحوارات الفنية هذا العام على العديد من المجالات المحورية الضرورية لتعزيز الكفاءة التشغيلية والتنسيق الاستراتيجي بين البحريتين. وكانت واحدة من المجالات الرئيسية المركزة عليها هي التدريب التشغيلي الذي يهدف إلى تحسين جاهزية وكفاءة القوات البحرية. واتفق الجانبان على زيادة التكرار والنطاق التدريبي المشترك للإعداد بشكل أفضل لمواجهة التهديدات والتحديات البحرية المستجدة.
 
بالإضافة إلى ذلك، كانت إقامة بروتوكولات تبادل المعلومات الآمن بين المنصات موضعًا رئيسيًا للنقاش. في حين تصبح العمليات البحرية أكثر تعقيدًا وتكنولوجيًا، فإن القدرة على مشاركة المعلومات الحية بأمان بين المنصات أمر ضروري للعمليات المنسقة. وتلتزم البحريتين الهندية والجنوب أفريقية بتطوير آليات متينة لتبادل المعلومات التي تعزز قدرتهما على الرد بسرعة وفعالية على التهديدات البحرية.
 
التعاون المستمر من خلال التمارين المشتركة

تشكل التفاعلات التشغيلية والتمارين المشتركة العمود الفقري للعلاقة البحرية بين الهند وجنوب أفريقيا. وأكدت المحادثات على أهمية التعاون المستمر من خلال التمارين مثل تمرين البحرية الهندية-البرازيلية-الجنوب أفريقية (IBSAMAR)، والذي أصبح حجر الزاوية للتعاون البحري ثلاثي الطرف.
 
أظهرت النسخة السابعة من IBSAMAR، التي عقدت قبالة الساحل الجنوب أفريقي في عام 2022، قدرة البحريتين على التشغيل بانسجام في بيئة بحرية معقدة. بينما يجري التخطيط للقاء IBSAMAR الثامن، المقرر إقامته في أوائل أكتوبر 2024، بالفعل، حيث تم تحديد منشآت البحرية الجنوب أفريقية في سالدانها على الساحل الغربي بوصفها قاعدة للعمليات.
 
هذه التمارين ليست فقط أساسية لتعزيز التناغم التشغيلي ولكن أيضا لبناء الثقة والتفاهم المتبادل. فهي تقدم فرصة للبحريتين المشاركتين لتعلم من خبرات بعضهما البعض، ومشاركة أفضل الممارسات، وصقل التكتيكات والتقنيات والإجراءات في إعداد تعاوني.
 
كما وقعت فضائل الحوارات الفنية على تبادل أفضل الممارسات في المجالات الحساسة مثل الدفاع النووي والبيولوجي والكيميائي (NBCD)، بما في ذلك مراقبة التلف، والدعم الغطسي. هذه التبادلات، التي يتم تيسيرها من خلال التبادلات بين خبراء المواضيع المحددة (SMEE)، هي مصممة لتعزيز قدرات البحريتين في المجالات المتخصصة وضمان قدرتهما على التعامل مع مجموعة واسعة من الظروف البحرية.
 
علاوة على ذلك، فقد تمت مناقشة الإمكانية لدورات التدريب المتقدمة في المرافق التدريبية المتبادلة بشكل مفصل. برامج التدريب المتقدمة للبحرية الهندية، خاصة في مجالات مثل الحرب المضادة للغواصات، والطيران البحري، والحرب الإلكترونية، محترمة للغاية، ويمكن للمشاركين في القوات البحرية الجنوب أفريقية الاستفادة بشكل كبير من المشاركة في هذه البرامج.
 
على الجانب الآخر، يقدم الخبرة الجنوب أفريقية في مجالات مثل الاستراتيجية البحرية والدفاع الساحلي فرص تعلم ثمينة للمشاركين في القوات البحرية الهندية.
 
يشهد الحوار الجاري بين البحريات الهندية والجنوب أفريقية على الرؤية المشتركة لكلا البلدين لبيئة بحرية آمنة ومستقرة في منطقة المحيط الهندي. والمحيط الهندي هو الشريان الحيوي للتجارة العالمية، حيث يمر به نسبة كبيرة من نفط العالم وبضائعه. وضمان أمن هذه المنطقة ليس فقط في مصلحة الهند وجنوب أفريقيا ولكن أيضا في مصلحة المجتمع الدولي الأوسع.
 
تدرك البحريتين التعقيدات المتطورة في المجال البحري، بما في ذلك التهديدات التي يشكلها القرصنة، والإرهاب، والصيد غير القانوني. وأبرزت المحادثات الحاجة إلى اليقظة والتعاون المستمر لمواجهة هذه التحديات بشكل فعال.
 
الإطار العام للتعاون الدفاعي والأمني

تعتبر الحوارات الفنية بين البحرية الهندية والجنوب أفريقية جزء من إطار أوسع للتعاون الدفاعي والأمني بين البلدين. تصبح الزيارات العسكرية على المستوى العالي، وبرامج التدريب المشترك، والتمارين الثنائية والتعددية الأطراف ميزات منتظمة من هذه العلاقة. فعلى سبيل المثال، في وقت سابق من هذا العام، قام Vivek Ram Chaudhari، رئيس هيئة الأركان الجوية في الهند، بزيارة جنوب أفريقيا، مما أدى إلى تعزيز الروابط الدفاعية بين البلدين.
 
كما أن السفن الحربية الهندية زائرات منتظمات للموانئ الجنوب أفريقية، مما يعكس تعميق الروابط البحرية. إن هذه الزيارات ليست رمزية فحسب، بل هي أيضا فرصة للبحريتين للمشاركة في العمليات المشتركة، ومشاركة أفضل الممارسات، وبناء التوافقية.
 
الأهمية الاستراتيجية للعلاقة بين الهند وجنوب أفريقيا تمتد أبعد من المجال البحري. في البلدين توجد روابط اقتصادية وسياسية وثقافية قوية، يتم تعزيزها من خلال تعاونهما في المنتديات متعددة الأطراف مثل بريكس وجمعية حافة المحيط الهندي (IORA). يبرز الزيادة في حجم التجارة الثنائية، والاستثمارات المتزايدة، والالتزام المشترك لمواجهة التحديات العالمية مثل تغير المناخ والتنمية المستدامة، الجوانب المتعددة الأوجه لهذه الشراكة.
 
لقد عززت الحوارات الفنية الثانية عشرة بين البحرية الهندية والجنوب أفريقية الروابط البحرية القوية بين البلدين، ووضعت أساسا للتعاون المستقبلي في المجالات ذات الاهتمام المشترك. في حين تواصل البحريتين العمل معا لضمان أمن منطقة المحيط الهندي، ستلعب شراكتهما دورا حاسما في تشكيل المشهد الأمني البحري للقرن الواحد والعشرين. مع القيم المشتركة، والاهتمامات المشتركة، والالتزام بالسلام والاستقرار، من المتوقع أن تتحول الهند وجنوب أفريقيا إلى تعاون بحري جديد في السنوات المقبلة.